ما يزال ذلك السؤال الذي ورد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 26 تموز/ يوليو عام 2014 وكان عنوانه: "لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة حلّ المشاكل في العالم؟" يتردّد في أنحاء العالم، وقد دلل المقال حينها على صعوبة الحل عن طريق المؤسسة الدولية باستمرار الأزمات والصراعات في أوكرانيا وفلسطين وسورية.
فعلياً فإن الكثير من الأزمات العالمية خلال الـ75 سنة الماضية (أي منذ تأسيس الأمم المتحدة 1946) وجدت حلولها خارج تصويت مجلس الأمن، وبعيداً عن مفاوضات الأمم المتحدة وقراراتها غير المُجدِية. وهي غير مُجدِية لأنها لا تصدر إلا بالتوافق التام بين الدول دائمة العضوية ذات الأقطاب المتباينة والمصالح المختلفة حتى اليوم.
وبالنظر إلى آلية صدور تلك القرارات الدولية نستطيع تلمّس جملة ما تحمله قرارات الأمم المتحدة من إمكانية التأويل، فضلاً عن التطبيق، نتيجة العبارات العامة القابلة لتفسير الدول بأشكال مختلفة، والتي تصلح لأن تُؤَوِّلها كل دولة بما يتوافق مع مصالحها، وهذا ما يدعوها للتوافق وعدم استخدام حقّ النقض ”الفيتو“.
إن عجز الأمم المتحدة عن حلّ الأزمات والصراعات لا ينبع عن عدم اكتراث الدول أو المؤسسة بهذه الأزمات أو عدم اهتمامها بها، بل إنَّ مستوى أهمية تلك القضايا والنزاعات بالنسبة للدول الأعضاء ودرجة تأثيرها على مصالحها وفضائها الإقليمي والدولي هي ما تجعلها بعيدة عن الوصول لتوافُقات وحلول مشتركة تضمن مصالحها المتقاطعة والمختلفة في آنٍ معاً.
ومع استمرار الأزمة في شِبه جزيرة القرم ودول شرق أوروبا والأزمة بين إثيوبيا والسودان ومصر وعدم الوصول لحالة استقرار في ليبيا واستمرار النزاع في اليمن وتهديدات الصين للجزيرة التايوانية التي توشك أن تفجِّر صراعاً عالمياً، تبقى الأمم المتحدة مكانَ لقاءِ الدول الذي تضمن فيه كلٌّ منها تعطيل أي قرار لا يناسب مصالحها، وهذا تماماً ما هو مستمر بشأن سورية منذ عشر سنوات، حيث لم يستطع القرار الأممي 2118 (2013) إيجاد أي صيغة حل نهائية، واستمرت محاولات التفاوض وسِلال ديمستورا المبنية على القرار بما يشبه مضغ الهواء، وذلك لأنَّ القرار الأممي مبني على توافُقات مجموعة العمل من أجل سورية التي عُرف بيانها الختامي في حزيران/ يونيو 2012 باسم بيان "جنيف1" والذي يطلب من النظام في سورية أن يُوقف العنف ويطلق سراح المعتقلين ويضمن الحريات ويحقق الديمقراطية والتعددية، وأن يتشارك في هيئة حكم انتقالية مع المعارضة السورية ومع المنتفضين عليه بالمظاهرات وأغصان الزيتون الذين واجههم بالرصاص والقنابل وغارات الطيران والسلاح الكيماوي، وتكون هيئة الحكم الانتقالية نواة تأسيس بيئة محايدة لعملية انتقالية في سورية.
وبينما تعمل الأمم المتحدة على تحويل الذئب إلى حيوان "عاشب" يضمن سلامة الخراف تحت عين الراعي، يتزايد العنف والصراع والتهجير والانتهاكات برعاية ودعم روسيا إحدى أعضاء مجلس الأمن، والتي ضمنت بذريعة محاربة الإرهاب في كل القرارات الأممية استمرارَ الحلول العسكرية التي كانت تفضلها وتقودها في جميع المناطق، ونتيجة عدم قدرة الدول على تحقيق أي شيء من القرار الأممي 2118 جاء القرار الأممي 2254 (2015) والذي ما زال أرضية الحل السياسي حتى اليوم، والتي اكتفت بثلاثة أمور توافقت عليها روسيا والولايات المتحدة؛ عملية دستورية (إنتاج أو تعديل الدستور)، وتحقيق بيئة آمنة ومحايدة، وأخيراً إجراء انتخابات.
وقد شكلت الأمم المتحدة عَبْر الدول ذات العلاقة اللجنة الدستورية المشتركة التي اجتمعت مرات عديدة دون أي جدوى ودون أي إنجاز سوى إضاعة الوقت، إلى أن أصبح حتى عَقْد اجتماعها أمراً متعذّراً، حيث وصل النظام إلى حالة لا يستطيع معها التقدم أي خطوة، وهذا ما أكده المبعوث الأممي غير بيدرسون للمعارضة عندما التقاها عائداً من دمشق، لينقل لهم عدم قبول النظام الذي تدعمه روسيا تحقيقَ أي شيء ضِمن الحل السياسي وليس فقط ضِمن اللجنة الدستورية.
البيئة التي عمل النظام بدعم روسيا على تحقيقها في سورية هي بالطبع بيئة التهجير والقبضة الأمنية وجعل المجتمع والناس دروعاً بشرية يواجه بها قانون العقوبات الأمريكية "قيصر"، وذهب النظام إلى إجراء انتخاباته الخاصة دون أن تضغط عليه روسيا بأي تغيير أو تبديل لم يُقدَّم لها مقابله أي تنازلات من الولايات المتحدة وحلفائها في مختلف الملفات المتعلقة بسورية أو تلك الأهم التي خارجها.
ومع اقتراب نهاية العام 2021 يبدو أن المجتمع الدولي -كما الأمم المتحدة- يجدان أن القرار الأممي يحتاج إلى تطوير أو تحديث وآليات مختلفة، لكن باعتقادي فهذا -وإن حصل- لن يكون قادراً على إيجاد حلول نهائية عجزت عنها حتى المسارات التي هي خارج سقف الأمم المتحدة، كما هو الأمر في "أستانا" التي لم تقدم حلولاً جذرية لكنها استطاعت تهدئة الصراعات نسبياً واستقرار الخريطة بما تبقى شمال غربي سورية، وهو الحد الأدنى الذي لم يستطع المسار الأممي في جنيف الوصول له.