أصبحت غارات الطيران الحربي شمال غربي سورية رسائل تصعيد تفاوضية من روسيا إلى تركيا بعد أن أخرجتها روسيا عن استخدامها المعروف كأداة تمهيد لمعارك اجتياح بري أو وسيلة للقضاء على هدف محدَّد، فالقصف الذي استفاقت عليه عفرين صباح 31 آب/ أغسطس 2021 بعيد كل البُعد عن أن يكون موجهاً ضد هدف عسكري أو أن يكون تمهيداً لمعركة ما، وصحيح أن الغارات استهدفت معسكراً تابعاً لفيلق الشام، لكنَّ سياق الغارات وعدم وجود خسائر بشرية واختيار عفرين بالتحديد هو ما يجعل الرسائل السياسية من هذا الاستهداف أوضح، حيث تحاول روسيا الإجابة عن تصعيد آخر بدأته تركيا قبل أسبوعين تقريباً ضد حلفاء روسيا شمال شرقي سورية.
تحاول روسيا احتكار الأسلوب الذي بات جزءاً من سياستها في سورية، حيث تُعبِّر عن اعتراضها أو توجِّه رسالة بناءً على ما تراه استحقاقاً لها بتصعيد القصف وتنفيذ غارات الطيران غير الاعتيادية سواء بحجم التصعيد والغارات أو بطبيعة وحساسية المكان المستهدف أو الجهة المستهدَفة
ويعتبر التصعيد العسكري التركي بالقصف المدفعي وغارات الطيران المسيَّر ضد قوات سورية الديمقراطية (قسد) اعتراضاً مباشراً من تركيا على عدم التزام روسيا بالتفاهُمات الثنائية، والتي تضمن لتركيا انسحاب قسد لمسافة ثلاثين كيلومتراً عن الحدود السورية التركية؛ الأمر الذي لم تنفذه قسد والتالي لم تلتزم روسيا بتحقيقه، في حين تحاول روسيا الرد بالتصعيد في عفرين وصولاً للجلوس مجدَّداً على طاولة مفاوضات بين أنقرة وموسكو أكثر فعّالية من مباحثات اللجان الاعتيادية المستمرة بينهما.
بذلك تحاول روسيا احتكار الأسلوب الذي بات جزءاً من سياستها في سورية، حيث تُعبِّر عن اعتراضها أو توجِّه رسالة بناءً على ما تراه استحقاقاً لها بتصعيد القصف وتنفيذ غارات الطيران غير الاعتيادية سواء بحجم التصعيد والغارات أو بطبيعة وحساسية المكان المستهدف أو الجهة المستهدَفة، الأمر الذي لم يعد يرتبط فقط بمجريات التفاوض الخاصة بالشأن السوري كما حصل في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حيث أودت غارات روسيَّة بحياة قرابة ثمانين عنصراً من فيلق الشام في منطقة "جبل الدويلة" شمال إدلب، كرسالة استياء روسي كبير من الدعم التركي للعمليات العسكرية لأذربيجان ضد أرمينيا وقتها.
كل ما سلف ذكره يأخذنا إلى خُلاصات مفادها أن التصعيد العسكري والضغط على الحلفاء المحليين لم يَعُدْ لأهداف عسكرية بعد الاستقرار المستمرّ عسكريّاً وسياسيّاً منذ آذار/ مارس 2020، حيث لم تتغير خريطة النفوذ على الأرض، وليس متوقَّعاً أن تتغير على المستوى القريب والمتوسط، وستستمر الغارات هنا وهناك كشكل من أشكال منع استقرار مناطق الخصم، وكرسائل اعتراض وامتعاض فيما بين الأطراف الخارجية تصرح فيها بعدم رضاها بعدُ عما تمَّ من الاستحقاقات التي تطلبها.